الثلاثاء، ٢٣ كانون الثاني ٢٠٠٧

بين الأمير والشاعر



كان ناصيف اليازجي شاعر الأمير الثالث أو آخر شاعر "رسمي" دخل قصر الأمير بشير الشهابي، وكان أفيضهم قريحة وأنقاهم ديباجة. في عهد بشير كانت الثورات تلي الثورات والعاميات تلي العاميات، فمن عامية انطلياس الى عامية لحفد، أسكت الأمير تلك العاميات فسكنت الارض بين يديه زمناً الى كان آخر العهد، ولكل اجل كتاب، فظهرت عامية حرش بيروت وتلتها عامية سن الفيل، فأوفد الامير من استخلصهم لينصحوا الثوّار فإذا بهم يشددونهم، فوجه اليهم من بعض بني عمه فعادوا اليه حاملين خمسة شروط، فلم يقبل بها الامير وأرسل اليهم البطرك يوحنا الحاج الذي كان يومئذ كاهناً يدرس الفقه في بيت الدين على فقيه عصره الشيخ بشارة الخوري، فوجدهم قد اجمعوا أمرهم في انطلياس، فلم يصغوا له وأظهروا العصيان.
ثم ازدادت الثورة اشتعالاً، فلجأ الأمير الى البطرك الحبيشي فانتدب للمداولة معهم احد مطارينه ــ بطرس كرم ــ فسلمه الأمير بشير أحمد اللمعي، شروط الثوار وهي:
1 ــ عزل بطرس كرامة من موقعه وتعيين كاتبين من كل طائفة.
2 ــ رفع السخرة بنقل الفحم الحجري من قرنايل الى بيروت.
3 ــ ابقاء السلاح الكامل للبنانيين.
4 ــ تخفيض الاعانة.
5 ــ رفع الاحتكار عن الصابون، لأنه كانت للأمير "مصبنة" في دير القمر، وكان عماله في البلاد يعاقبون ويغرّمون من يشتري الصابون من غيرها.
لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. كان مدّ وجزر في خضم السياسة، ابراهيم باشا من جهة والدول من جهة، فجرف التيار أمير لبنان فترك عرينه صوب نهاية 1840 فغادره ومعه أولاده الثلاثة وزوجته ومدبره ومعه ماله ثم كان لانقضاء عهد الأمير، كما كان لوجوده، فضل على الادب العربي في لبنان، اذ استراح الشيخ ناصيف شاعره من مشاكل الديوان ومشاغله، فانصرف الى التأليف طابعاً على غرار القدماء، فدنا من الحريري، في مقاماته، وضارع ابن مالك في ارجوزته "نار القرى"، ولم يعف من نظمه الطب والبيان والمنطق. ولم ينس ناصيف اميره المالطي فأرسل اليه قصيدة جاء:
طال شوقي بطول هذا البعاد فترى هل لذاك من ميعاد
أيها الراحل الذي ضرب الأطناب بين القلوب والأكباد
ما سمعنا براحل أوحش الأحباب عند ارتحاله والأعادي
كانت قريحة اليازجي فوارة. أجاد المدح وتفوق على شعراء عصره بالرثاء المملوء حكمة. أما في المدح فقد شرّق وغرّب، فشعراء تلك الحقبة، وبخاصة الشدياق واليازجي، زينوا نحور الملوك والسلاطين والاباطرة بعقود شعرهم. أما الحكمة عند الشيخ ناصيف فمشي الشيوخ الاجلاء ومنها:
متى ترى الكلب في أيام دولته فاجعل لرجليك أطواقاً من الزرد
لا ترتج الخير من ذي نعمة حدثت فهو الحريص على أثوابه الجدد
ولا شرح.
محمود شريح

ليست هناك تعليقات: