الاثنين، ١٩ شباط ٢٠٠٧

الدين مرة أخرى

مشكلة البلد الأساسية هي الطائفية. كل عللنا تنحدر من هذه المعضلة أو بالأحرى السوسة التي تنخر مجتمعنا بالطول وبالعرض. خطابنا السياسي يتمحور حول أفكار وطروحات الطائفية وتجلياتها الإجتماعية والثقافية
الطائفية في كل مكان وعلى شاشات التلفزة وأثير الراديوات و حتى في ربطة خبزنا اليومي
أما سطوة رجال الدين فحدث ولا حرج: البطريرك الماروني هو دوما نجم فقرة "أستقبل وودع" بامتياز. أما نهار الأحد فموعدنا الدائم مع عظته البليغة والتي تزخر بالنقد المبطن وغير المبطن في أحوال الدين والدنيا والمؤمنين والمظلومين والكادحين وأهل السياسة والكفر والأدب والتقاليد والإقتصاد وأوضاع العمال وصولا الى اداب المائدة و عيد الفلنتاين وفقرة صحتي ونصائح التغذية الخ
أما بوطقة المفتين والمعممين فهم أيضا مشروع أوركسترا زعيق مستمرة؛ لكن نجوميتهم مهما عظمت فهي تبقى بعيدة بأشواط عن فذاذة وعبقرية و ابتكارية سيد عموم بكركي وضواحيها. ونحن بانتظار أصدار غبطته لعظاته وتصاريحه الشيقة في مجلد ضخم يكون منهلا وتأريخا لحقبة ومصدر وحي للأجيال المقبلة؛ علها تتعظ من جهالة أيامنا وقبحها وتفاهة تجذرنا في أقطاعية الدين وسيفه المسلط على رقابنا

الثلاثاء، ١٣ شباط ٢٠٠٧

ملتقى الأوفياء



ملتقى الأوفياء
الثلاثاء, 13 فبراير, 2007


شاكر الخوري صاحب "مجمع المسرّات" كان يتنادر حتى على أولاده. كان عنده مارون عبود لمّا دخل عليهما إبن له طويل، فقال لمارون: تعرف ماذا انتقيت له وظيفة؟ فبهت سامعه، ثم أضاف: ان يضوّي قناديل البلدية لأنه لا يحتاج الى سلم. طول بلا غلة.
"مجمع المسرات"، فارياق من طراز آخر، كشكول طريف، و صاحبه مطبوع على النكتة القارصة. كان يشتريها بالثمن الموجع كل من يتعرض له، ولذلك هابه معاصروه كما هابوا بشار بن برد. "مجمع المسرات، ترجمة حياة ومذكرات مكتوبة بأسلوب طرافته في بساطته. ليس يسأل صاحبه عن الخليل ولا الفراء. فيه صفحات من تاريخ لبنان ووصف للحياة في عصر مؤلفه، وفيه أشياء من مصر وغيرها من الأمكنة التي حلتها ركابه.
على هذا النحو الرجل بشاري فارياقي، ولو كان في عصر الشدياق وقرأ ركاكته ورطانته ولحنه لشمّرت الحرب عن ساقها. فهو من هذه الناحية فقير جداً جداً.
وأما من ناحيته الشخصية فغنى، إلا أنه يظلّ في الحالين هجاء عصر النهضة، ولوناً طريفاً من الوانه، فكل كتابه نكات ونوادر في "مجمع المسرات"، وصف شاكر الخوري حياته من أولها الى آخرها كما تذكرها، فهو يزعم لنا انه لم يدون شيئاً منها قبل ان فكّر بتأليف كتابه هذا الذي يقع في سبعمئة صفحة من القطع الكبير والحرف الوسط، وفيه حدثنا شاكر الخوري عن "درسه العربي" في "المدرسة الوطنية"، للمعلم بطرس البستاني، قال: كان معلمنا الشيخ ناصيف الشهير. فكان يقول لنا في الصف اول موال عمله، ويبتدئ يعمل "مطلع" على المعنّى، وكان يقول انه هو الذي علم ذاته، وان المعلم بطرس البستاني يعرض عليه تأليفه القاموس "محيط المحيط"، فكان يعطيني الكرّاس المصلح لأعطيه الى المعلم بطرس، وكان يقول لي عند ذلك: انا القاموس السيار. وعند غيابه كان يوكل ولده الشيخ ابراهيم بالدرس. وكان لابساً اي الشيخ ناصيف عمامة سوداء مع قفطان وجبة وصرماية حمراء، يحلق لحيته وهو بسن الشيخوخة، وكان بيته قريباً من المدرسة وهو من المولعين بشرب القهوة والتدخين، وقد كان يعهد إليّ بإشعال سيكارته او غليونه، فكنت اذهب الى خارج الدرس واشعل له الغليون بعد ان ادخّن فيه قليلاً، وكثيراً ما كنت اهمل دروسي ولا اجيب على التساؤلات.
ودليل على قوة بديهيّة شاكر الخوري هذه الحادثة التي رواها. ترك بيروت عام 1907 قبل الميعاد. فسألت عنه المركيزة مدام فراج فقالوا لها انه جنّ لتعطيل شغله، وعاد شاكر وراح ليهنيها بأحد الاعياد فشهقت لما رأته وقالت خبروني انك جننت فأجابها: لو كنت معرضاً لهذا المرض لكنت جننت يوم رأيتك اول مرة.
هذا عن مجمع المسرات
أما نحن فمجمع حسرات
محمود شريح

في فم الحوت

والى متى حالات الترقب المستمرة؟ فلبنان يعيش في غرفة الإنعاش منذ الرابع عشر من شباط 2005. والتطورات السلبية المتسارعة جعلت من الصعب تقويم أي خطوة ايجابية حصلت في مكان ما أو بين لحظة وأخرى . و الإنسحاب السوري - خير مثال على ذلك- لم يستثمر كما يجب وبدا كأنه خطوة ناقصة غير مكتملة
ويبدو أن الجغرافيا قد أمعنت في الظلم حين رمتنا في فم الحوت منذ البدء

الثلاثاء، ٦ شباط ٢٠٠٧

غابة الحق



غابة الحقّ
الثلاثاء, 06 فبراير, 2007

فرنسيس مرّاش صاحب "غابة الحق" كان على قصر عمره [1835 ـ 1874]، زعيماً أدبياً ترك دويّاً إذ اجترأ على نشد الحرية يوم كانت الأفواه مكمومة، والمرّاش ابن بيت علم فأخوه عبدالله عُرف بالفضل والأدب وقد زار مكاتب أوروبا فلندن وباريس ونسخ منها آثاراً عربية أعجبته ورأى فيها فائدة لأبناء جنسه الناطقين بالضاد، وأخته مريانا شاعرة كاتبة.
ولد فرنسيس مرّاش بمدينة حلب واعتلّ بصره في الرابعة من عمره. قال الشعر وهو ابن تسع كما رووا عنه وعن أديب إسحاق وغيرهما. ولما حذق العربية شاء ان يكون طبيباً فتتلمذ لطبيب إنكليزي بحلب، ثم طمح في أن يكون طبيباً قانونياً فرحل الى فرنسا طالبا لهذا العلم، لكنه عاد من باريس مكفوفاً ولم يستفد منها طباً. أراد هو الطبّ وأراد القضاء الأدب، فكتب "مشهد الأحوال" و"غابة الحق"، وكان تالياً أول منوّر عربي يصوغ نظريتي "العقد الاجتماعي" و"الحق الطبيعي" على نحو مترابط، اذ إنّ هذه الصياغة تكاد تكون مفقودة في الميراث التنويري العربي الحديث، وتبدو أهمية ذلك في أن المرّاش أعاد صياغة أهم نظرية في الثورة الفرنسية، تولّى الجناح اليعقوبي شرحها وحوّلها الى فلسفة سياسية وقد بدأ المرّاش من هذه الفلسفة ووسع أفقها، بل أعاد انتاجها بما يناسب واقعه المخصوص، تماماً كما أعاد انتاج فلسفة وإبداع الاستنارة الفرنسية التي تأثّر بأعلامها، كما تأثر بشعارات الثورة الفرنسية التي دعت الى الحرية والتآخي والمساواة.
أصدر المرّاش "غابة الحق" في 1865 وطبعها بمدينة حلب في المطبعة المارونية، لم يحدّثنا المرّاش عن الأسباب التي دفعته الى كتابة روايته الرائدة "غابة الحق"، لكن الرواية نفسها تقول لنا، على نحو ضمني ـ إن تأليفها مرتبطٌ بأمرين: أولهما وعي المدينة المحدثة الذي انطوى عليه المرّاش، خصوصاً الوعي بمدينة حلب التي تعدّدت أديانها وأجناسها، ووصلت في علاقات التحديث الى الدرجة التي تأسّست بها أنواع من الحواريات الفكرية والاجتماعية التي كانت مثابة النسغ التي استمدّت منه "غابة الحق" موضوعها الأساسي، وهو موضوع له علاقة بشعارات الثورة الفرنسية عن الحرية والتآخي والمساواة، تلك الشعارات التي ظلت تتردّد في الأفئدة منذ انفجار هذه الثورة التي بدأت بسقوط الباستيل، رمز العبودية سنة 1789. ولا يغيب ذلك كلّه عن وعي المرّاش الذي كان يحلم بعالم جديد يتنازل فيه السلطان العثماني عن رؤى العالم القديمة ليفسح السبيل الى عالم واحد تتحقّق فيه مملكة التمدّن التي عثر عليها المرّاش في "غابة الحق" التي تخيّلها على شاكلة أحلامه، وذلك هو الأمر الثاني الذي دفع المرّاش الى الكتابة، سواء من زاوية التبشير بعالم جديد، أو توجيه النقد غير المباشر الى ما هو سائد وينتمي الى العالم القديم الذي حلم المرّاش بمجاوزته والدخول الى عالم جديد.
هذا عن "غابة الحق" المشعّة.
أما نحن فباستيل مظلم.
محمود شريح

هجرة

البلاد تخلى من سكانها.هل تعود الأيام السوداء ؟يسأل الناس المنقسمون على أنفسهم وهم يعدون الثواني للمعركة الواقعة لا محالة
نبؤات وتوقعات وتنجيم وتبصير، أفعال أربعة أصبحت تختصر واقع حالنا منذ مدة
هجرة مستمرة ونزف مستمر
من بعيد يبدو لبنان وكأنه مصنع للضجيج والأجندات المخفية (هي الأخرى كالقطب المخفية)؛ والمستقبل يعدنا بالمزيد... حتى آخر لبناني مقيم في لبنان

الخميس، ١ شباط ٢٠٠٧

الهدنة الملغومة

الهدنة الملغومة،عنوان الصفحات الأولى الملغوم والملغوم أيضا. البلاد تعيش في الثلاجة. دعوات حوار أو لا حوار متكررة. الجميع يدعو الى حوار مفقود،ناقص،منقوص،ومعاق في جميع الأحوال.حوار ذهب ولم يترك عنوانا
أما الذين يودون مغادرة لبنان فحسن يفعلون....قبل أن يغلق أحدهم طريق المطار "في ليلة ما فيها ضو قمر" والسلام

خليل الخوري




العصر الجديد
الثلاثاء, 30 يناير, 2007

خليل الخوري تناساه الناس كما تناسوا سواه من السّلف الصالح. إنه الشاعر ابو الجريدة العربية الأهلية.
ولد في الشويفات عام 1836 وتلقى العلوم في مدارس زمانه ثم على أساتذة خصوصيين. قال الشعر فكان طريقه إلى أبواب الولاة، فمكنوه من إصدار أول صحيفة عربية هي "حديقة الأخبار"، ثم أحدث إلى جانبها مطبعة تطبعها سماها المطبعة السورية.
وفي خطابه "آداب العرب" الذي ألقاه أمام الجمعية السورية أشاد المعلم بطرس البستاني (في الخامس عشر من شباط 1859) بذكر خليل الخوري ودلّ على فضله الأسبق في حقليّ الصحافة والشعر.
لم يبرز الخوري في النثر لأنه لم ينصرف إليه، فهو شاعر أولاً، بل لا يعنيه إلا الشعر الذي كان سُلمه إلى المناصب، وكان أول من افرغ الشعر القديم في قالب جديد. أمدّه في ذلك خياله الخصب فخلق صوراً رائعة ثم ظلّ ذلك السراج الوهاج يرسل نوره حتى انطفأ في 1907.
في ديوانه "العصر الجديد"، قال خليل الخوري قصائد طريفة في مواضيع مستقلة، في قصيدة "زيارة الدجى" ينادي حبيبته ويظهر أن بيت هذه الفاتنة الحسناء كان على سيف البحر، فأغراها بتلك الليلة الحلوة:
فاصغي به لحنين البحر منتحباً
كأنه يشتكي بيناً يروّعه
والشط مدّ ذراعيه على ظمأ
يعانق البحر والامواج تصفعه
تلقى على صخره الفضي موجته
وتنثني بعدما بالقرب تطمعه
كغادة صادفت محبوبها فغدت
تدنو اليه دلالاً ثم تمنعه
امتدح بطرس البستاني المعلم، ديوان الخوري "العصر الجديد" كان الشعر قبل الخوري إما حكمة وإما زهداً، واكثره كان مديحاً ورثاء. لم يترك الخوري المديح لكنه كان رائد الجديد الأول في إبداعه. طرب البستاني الأول لصدور جريدة خليل الخوري "حديقة الأخبار" فقال في خطبته الشهيرة إن الجرنالات من أكبر الوسائط لتمدن الجمهور وازدياد عدد القراء إذا استعملت على حقها، ومطبعتها السورية هي أول مطبعة عربية خصت بالجرنالات وإن "اتعاب مالكها ومديرها خليل أفندي الخوري تكلل بالنجاح، وكأني به واقف على شاطئ البحر الكبير الفاصل بين العالم القديم والعالم الجديد، قيل إن المنصور عندما مات ابنه طلب من ينشده "أمن المنون وريبها تتوجع، فلم يجد في حاشيته من يعرفها فقال إن مصيبتي بابني اهون.
محمود شريح