
ملتقى الأوفياء
الثلاثاء, 13 فبراير, 2007
شاكر الخوري صاحب "مجمع المسرّات" كان يتنادر حتى على أولاده. كان عنده مارون عبود لمّا دخل عليهما إبن له طويل، فقال لمارون: تعرف ماذا انتقيت له وظيفة؟ فبهت سامعه، ثم أضاف: ان يضوّي قناديل البلدية لأنه لا يحتاج الى سلم. طول بلا غلة.
"مجمع المسرات"، فارياق من طراز آخر، كشكول طريف، و صاحبه مطبوع على النكتة القارصة. كان يشتريها بالثمن الموجع كل من يتعرض له، ولذلك هابه معاصروه كما هابوا بشار بن برد. "مجمع المسرات، ترجمة حياة ومذكرات مكتوبة بأسلوب طرافته في بساطته. ليس يسأل صاحبه عن الخليل ولا الفراء. فيه صفحات من تاريخ لبنان ووصف للحياة في عصر مؤلفه، وفيه أشياء من مصر وغيرها من الأمكنة التي حلتها ركابه.
على هذا النحو الرجل بشاري فارياقي، ولو كان في عصر الشدياق وقرأ ركاكته ورطانته ولحنه لشمّرت الحرب عن ساقها. فهو من هذه الناحية فقير جداً جداً.
وأما من ناحيته الشخصية فغنى، إلا أنه يظلّ في الحالين هجاء عصر النهضة، ولوناً طريفاً من الوانه، فكل كتابه نكات ونوادر في "مجمع المسرات"، وصف شاكر الخوري حياته من أولها الى آخرها كما تذكرها، فهو يزعم لنا انه لم يدون شيئاً منها قبل ان فكّر بتأليف كتابه هذا الذي يقع في سبعمئة صفحة من القطع الكبير والحرف الوسط، وفيه حدثنا شاكر الخوري عن "درسه العربي" في "المدرسة الوطنية"، للمعلم بطرس البستاني، قال: كان معلمنا الشيخ ناصيف الشهير. فكان يقول لنا في الصف اول موال عمله، ويبتدئ يعمل "مطلع" على المعنّى، وكان يقول انه هو الذي علم ذاته، وان المعلم بطرس البستاني يعرض عليه تأليفه القاموس "محيط المحيط"، فكان يعطيني الكرّاس المصلح لأعطيه الى المعلم بطرس، وكان يقول لي عند ذلك: انا القاموس السيار. وعند غيابه كان يوكل ولده الشيخ ابراهيم بالدرس. وكان لابساً اي الشيخ ناصيف عمامة سوداء مع قفطان وجبة وصرماية حمراء، يحلق لحيته وهو بسن الشيخوخة، وكان بيته قريباً من المدرسة وهو من المولعين بشرب القهوة والتدخين، وقد كان يعهد إليّ بإشعال سيكارته او غليونه، فكنت اذهب الى خارج الدرس واشعل له الغليون بعد ان ادخّن فيه قليلاً، وكثيراً ما كنت اهمل دروسي ولا اجيب على التساؤلات.
ودليل على قوة بديهيّة شاكر الخوري هذه الحادثة التي رواها. ترك بيروت عام 1907 قبل الميعاد. فسألت عنه المركيزة مدام فراج فقالوا لها انه جنّ لتعطيل شغله، وعاد شاكر وراح ليهنيها بأحد الاعياد فشهقت لما رأته وقالت خبروني انك جننت فأجابها: لو كنت معرضاً لهذا المرض لكنت جننت يوم رأيتك اول مرة.
هذا عن مجمع المسرات
أما نحن فمجمع حسرات
محمود شريح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق