
الصندوق في اسطمبول... والمفتاح في لندره
الثلاثاء, 16 يناير, 2007
في العام 1813 دخل نقولا الترك على اميره بشير الشهابي مقدماً له المعلم بطرس كرامه، فعهد إليه الأمير في تعليم ولده امين. وبعد فترة قصيرة اضحى هذا المعلم شاعر الأمير ثم صار كاتباً للشؤون الخارجية، لإجادته التركية، ثم امسى مدبر الأمير وقهرمانه، يستسفره إلى الأبواب العالية في الخطوب الجسام، ويدبر مالية الإمارة، وهكذا امست شؤون لبنان كلها في يده، وظل كذلك حتى مغيب الشهاب عن سماء لبنان فرافقه شاعره ومدبره إلى منفاه في الآستانة. كان هم بطرس كرامه ان يظل خاطر المير صافياً، والأمير يرضيه الثناء ويعجبه، فلم يدع شاعره فرصة تمر حتى قال فيها شعراً.
فكل ما يحدث في البلاط وفي ساحة الوغى، وفي الصيد، وفي ساعات الفراغ، يستحق عنده التسجيل شعراً. ولما دار الفلك وانتقل الأمير الى مالطا ارسله مولاه الى اسطمبول رائداً فكتب إليه كلمته المشهورة: "الصندوق في اسطمبول والمفتاح في لندره، ثم رغبه في الإقامة بها، فجاءها الأمير وقضى فيها اعواماً سكت خلالها طبل المديح ومزماره. تحول عنه شاعره إلى مدح وزراء الدولة العليّة وصدورها العظام ولم نسمع صوته إلا حين ارّخ ضريح مولاه المتوفى عام 1850:
قد كان صاحب هذا اللحد ذا شرف مدى الزمان رفيع غير منخفض
لاقى المنيّة في التسعين متشحاً برد الفضائل في عمد وفي عرض
اولت ولايته لبنان طيب ثنا وشاد بالعدل فيه كل منتقض
فهو الامير الشهابي البشير ومن غير العلى لم يكن يرتاد عن غرض
قضى فأظلمت الدنيا مؤرخة اما البشير شهاب في الجنان يضي
ولما كان بطرس رئيس ديوان الأمير وجب علينا ان نعرّف القارئ بنثره الديواني ولكن ذلك النثر كان يكتب للبشر على مقدار أفهامهم، ولهذا لا يُعوّل إلا على بعض رسائل اخوانية. كتب كرامه يجيب الشاعر الناثر فتح الله الطرابلسي: غير انه لما عاندني الدهر برؤياكم
واعدني وانتحل مذهب عرقوب بلقياكم
ونأت افعال المقاربة وتدانت المعمولات
بعوامل عطف الفوائد عليكم عطف نسق
المحتاج اليه. وانتصب القلب بالاختصاص
لحبكم وجزم الا يحله غيركم
واعدني وانتحل مذهب عرقوب بلقياكم
ونأت افعال المقاربة وتدانت المعمولات
بعوامل عطف الفوائد عليكم عطف نسق
المحتاج اليه. وانتصب القلب بالاختصاص
لحبكم وجزم الا يحله غيركم
ولم يهمل كرامه موشحات وتشطيرات وتخميسات وبديعيات. وهكذا خاض غبار كل ما سبقه إليه إمامه صفي الدين الحليّ ومن جاء بعده من شعراء عصر الإنحطاط. اما انحطاطنا فلا سابقة له.
محمود شريح