عبيدو باشا لن تصل شخصية أبو عبد البيروتي إلى خلاصها الأبدي. سوف تبقى بين المطرقة والازميل بحسب المثال الدارج. شخصية لبنانية ـ بيروتية ميثاقية ـ يجمع عليها اللبنانيون. يصفها لبنانيون تحت قوس الأحكام العامة. ويرفعها لبنانيون الى مصاف الخطاب المرتبط بالسياق الثقافي العام. ويأخذها لبنانيون وكأنها جزء من بنية ميثاقية. وخصوصا هؤلاء اصحاب الأهداف الخاصة بقيام جمهورية علمانية. او جمهورية الحق الديموقراطي. ويأخذها لبنانيون كواحدة من أبطال السيادة الشعبية. الاخيرة هي مصدر من مصادر الشرعية الاجتماعية ـ السياسية ـ الاقتصادية. اننا امام فكرة ضمير انساني لم تلبث ان انقادت في متاهات التبسيط اللبناني والسذاجة اللبنانية والخبث اللبناني بالآونة الأخيرة. لن يبحث اصحاب الوصفات الاخيرة في الاصول ولا في التراث. لأن أبا عبد البيروتي بات يفلت أكثر وأكثر من كل تحديد للأصل في واحدة من ألعاب وصف الوقائع بدل الدخول في جوهر الشخصية هذه. شخصية مجمعة بصفاء من سلسلة من الأحداث العامة.
تشتتت الشخصية هذه مع الأيام. لم تعد هي نفسها بلحظة ظهورها. لم يسألها الجمع عن اللحظة هذه ولا عن مصدرها، ولا عن أصولها الثقافية أو الاجتماعية. أضحت يتيمة او مقطوعة الجذر عن شجرة العائلة. ليست العائلة هنا هي العائلة كما هي موجودة في المقررات التربوية. اضحت الشخصية شخصية. بعدها: تم وضع نقطة على السطر. بذا، انحبس ابو العبد البيروتي بين أول السطر وآخر السطر. راوح في مساحته بهيبته وهيئته الموروثة وبظرفه الاسطوري. وبالمراوحة: اصاب الشخصية فقر دم وضمور في العضلات وتعميمات فتاكة هي أخطر ما تعرضت اليه من منظور ميثولوجي وواقعي بآن. هكذا، توقفت الشخصية في حيزها الزمني ومساحتها الروحية المكتوبة بالنوعية أولا، ثم بالتواتر والنمطية ثانيا.
صارت مألوفة لدى اللبنانيين بالتواتر. شخصية محمولة على متون الكلام. أخذها هؤلاء بالمشافهة. ماتت بنيتها الاصلية بصالح صورة كاريكاتيرية، بصالح صورتها الكاريكاتيرية الحديثة اللاحداثية بلا بحث في أي سعي تبريري للتشييد الاول والحماية الأولى. تشييد وحماية لكل الطوائف والمقيمين في لبنان. لأن الشخصية الشعبية البيروتية هي شخصية لكل اللبنانيين. هذا في السالف. بالراهن: حسبت الشخصية اولا على طائفة. ثم حسبت على مذهب في ظل الاصطفاف الطائفي ـ المذهبي بلبنان.
الآن: باتت الشخصية بلا تراث وبلا هوية وبلا وحي مقدس وبلا طقسية. وبلا رمزية. وبلا شر وبلا خير. باتت الشخصية شخصية قانون ميت في شرائع مدينية ميتة. لم يعد ابو عبد البيروتي ابن شرعنة الحروب العادلة ضد الاحتلالات الأجنبية للبنان. ولا ابن العصيان الاثير لدى البيارتة ضد الغاصب او المشهد اللاعادل. لم تعد شخصية تواريخ الخلاص للبنانيين الواقفين امام مرايا الشياطين في الأرض الغير ثابتة في الستاتيكو الاقليمي او في الستاتيكو الدولي.
بالماضي: بدا ابو عبد البيروتي شخصا برسالة. اليوم: يبدو ابو عبد البيروتي شبحا للشخصية الغابرة. شخصية برسالة اضحت شخصية بلا رسالة بالآونة هذه. لن تتوقف امام هذا. صارت شخصية تبليغات كالجباة في مؤسسة كهرباء لبنان. جمعت تبليغاتها في كتب وروايات مسطحة لا علاقة لها بأي سطح أرضي بالعالم. سطح السطح ويزيد. طارت بالتواتر الى الأجيال الجديدة. تواتر يشبه بساط ريح. طارت الشخصية بالتواتر، قبل ان تقع الشخصية بالتدوين. وهذه واحدة من أخطر المراحل بتاريخ الشخصية المستمرة بلا حيل ولا قوة. آخر الانجازات: صدور كتاب جمّع نكاته باتريك صفير وسابينا دايفس. اسمان يوحيان بما يوحيان به. وجد الاول صعوبة في التواصل معي بسبب لغته العربية المكسرة. شخص لا يتكلم العربية، شخص لا يفهمها. العامية اصعب من الفصحى. لأن العامية بلا مفاتيح واضحة. مفاتيح العامية في الأرض اما مفاتيح الفصحى فهي بالكتب. وتلك قضية في غاية الاهمية. لأن العامية روح الشخصية. ولأن الروح لا تترجم ولا تمسك جناتها بالصفات بين الأقل والأكثر. العامية جنة يصعب الدخول اليها. أما الفصحى فدوحة بين ايدي الراغبين. هذه واحدة من معاضل الاقتراب من الشخصية. لا فهم للشخصية بدون فهم العامية اللبنانية. بدون فهمها يصبح تداول الشخصية لا تداولا، بل يصبح رشقاً. يرشق اللبنانيون الشخصية في ما بينهم. لا تداول اذن. ترشق الشخصية من بيت الى بيت ومن غرفة إلى غرفة ومن زاوية الى زاوية. كلما رشقت امحت تفاصيلها وغامت. اصبحت غائمة. اصبحت كالغيمة، تطير ولا تمطر. ولا رجوع لها إلى أرضها الأولى. هكذا اضحى ابن المدينة بدوي المدينة. هكذا أضحى ابن المدينة بهلول المدينة بغير المعنى الشكسبيري. بهلول ونقطة على السطر. لا موضع ولا عقد. في حين ان أبا عبد البيروتي هو شخصية ذات عقد اجتماعي واضح بأهالي بيروت. وباللبنانيين تاليا.
الاختزال
لم ترغب الشخصية بالتحرر من استعمالات اللبنانيين لها. حملت ما أرادوا تحميلها. قبلت بالتحميل كما تحمّل طائرة حربية بأحدث الصواريخ. قبلت باستعمالات الكل لها. الاستعمالات الطيبة والاستعمالات الخبيثة. خاطبت الشخصية الآخرين في منأى عن لغة لوثر «كيف لي ان أخلص نفسي». بل خاطبتهم بلغة «ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار»، بلسان طيب لا علاقة له بالألسنية. نقلت الشخصية التناقضات اللبنانية والصراعات بين الايمان والعقل، بين الاسطورة والتاريخ، بين المعقولية واللامعقولية، بين الأرض التاريخية والفضاء الاجتماعي. نقلت الشخصية الحياة الكلية للحياة المتمردة للبنانيين، على المستقر والسائد والسلطان والحاكم والديني وردود الفعل الفجة. انتج رجل الواقع والخيال مساره بشكل صحيح بلا مواقف متعجرفة وبلا رغبة بالاقصاء. بادله أميو الشخصية بالعكس. لأن أحدا أو لأن الكثرة غير مهتمة بالمعرفة العلمية الحديثة. هذان تاريخان وضعيان لشخصية كشفت جماعة على جماعة لم تتعامل والشخصية بكل قواعد الحرص الضرورية. لم تنقل مناخها الاساسي ولم تقر بها من فضائها الحضاري المعين. ثم انهم حين اجتهدوا بتصويرها، صورت بما حضر خارج حدود الاجتهاد. وبدون ان تلامسه. وذلك بعيدا من مقولة من أخطأ له أجر ومن اصاب له أجران.
جاء ابو عبد البيروتي من جنة المدينة الى نار البداوة. بشر ابن المدينة بالبداوة حين شبهوه بأي شيء سوى بنفسه. انه كالمنتجات المحفوظة بعلب التنك السميكة. استثمروه لكي يصلوا الى ماء النبع. استنزفوا ماءه وهم يسيرون قوافل الى منابع المياه. تكرس كملكية مشتركة. لن يطأها أحد الا بالتسلل. تكرس كبلاطة على ضريح، لن يلبث قاصدوه ان يدونوا لمحاته بدون حذق الرجل وسيطرته على جزء من تاريخ المدينة. لن يعوض الرجل اثر ذلك. لن يعوض فوق سطحه المحظور بعد ان رحّل من أرضه الأم إلى أرض جديدة مصطنعة وغير قادرة على الصمود في وجه هزة صغيرة او كبيرة. هكذا اختزل ابو عبد البيروتي بالفعل الساذج والقول الساذج في وسط من المفارقات الأقرب الى مسرح الفودفيل. سقط قانونه بصالح شكله. سقط حضوره في صالح قمبازه المقصب وطربوشه الاحمر وعصاه الغليظة وحزامه الجلدي الاسود او البني الغامق. وضع في عالم خلا من المعاني. وضع في عالم من استشراء الفراغ في جمهوريات منذورة للاستسهال وحده بلا اقتراب من الجوهر، منذورة للاستسهال وحده بتمجيد التبسيط بجريمة قتل البساطة. لن يعود البيروتي ابن ذاكرته. بل ابن لحظته. لن يوضع تحت مجاهر النقد الاشكالية او أمام قراءات المحللين النفسيين، ما دام استعمل كسلعة. سلعوه بعد ان ربطوه بالهبل وليس بالبراءة. سلعوه بلا أي اجراء جزائي، سوى رفعه من مرتبته العليا إلى مرتبة التداول بكل ما هو مغاير لشخصيته. ذلك أن أبا عبد البيروتي سليل البيارتة الشجعان الخارجين الى الطليان بطبنجاتهم ومداهم واداواتهم الحادة، بعد ان قصف طراد وبارجة حربية ايطالية بيروت بالقرن الثامن عشر. اختار اللبنانيون النقيض وبقوا عليه. اختاروا خبرية من خبريات «أشياء لا تموت» لمحمد عيتاني (دار الفارابي) وبنوا عليها. اختاروا حكاية شكوى البيارتة على الشمس، اذ وجدوها ترصدهم وهم يقصدون اشغالهم صباح كل يوم. اشتكوها أمام السلطات المختصة. تلك السلطات المحاربة من قبضايات بيروت اجداد ابي عبد البيروتي. ماجد الازهري وابراهيم العيتاني وابراهيم الزعني ابن حي التمليص المجابه رجال الدولة في ساحة البرج دفاعا عن البسطاء الطيبين. ثم عبيدو الانكيدار وسعدالله الباشا وأبو عفيف كريدية الدائرة حركته بين قوات الحلفاء والمحور. يرضى هؤلاء القبضايات بأسماء أخرى كقبضايات معاصرين. آل «الجنون» عندهم ليسوا قبضايات. «ال» كذا شرحوا. «ال» كذا شرحوا وشرحوا. وهكذا. وهم على حق بذلك. ذلك انني لا أزال اذكر نزاعا على القبضنة في منطقة الطريق الجديدة. حيث ان هناك صفتين لها. صفة الخلق وصفة التجلي. فجأة طلع صوت جدتي في فضاء مبنانا كالبلاغ الحر.
ازدميره، ازدميره. وهي تقصد ازدمير. الاخير ابنها. خرجت جدتي التركية منادية والدي. ابتنى صوتها قوة لا عهد لها بها. ابوكِ ابوكِ، بدل ابوكَ ابوكَ، أكدت بلهجتها التركية. عندها اندفع الشاب بلا سؤال، كأي شيء لا كالبشر. وجد جماعة تترصد والده في المنطقة البيروتية القديمة. احاطوا به وهم يدفعونه بأيديهم. هدفهم ان يوقعوه. وجد الابن عددهم كثيرا عليه. تلفت في كل الجهات. عندها وجد صندوقا احتشدت به زجاجات التيم والسينالكو. مد يده الى الصندوق الخشبي المدعم بالفلين الى الزجاجات الغارقة بألواح الثلج المستطيلة. راح يرمي على الجمع المحيط بوالده الزجاجات واحدة واحدة واثنتين اثنتين. سقطت على المحاصرين كقنابل يدوية. لا أزال اذكر الزجاج المتطاير ونثاره المغروز في الابدان الصلبة والطرية. اجل الرشق هزيمة ختيار العائلة. عندها تكاثر اولاده واقرباؤه على المهاجمين، ما اضطر المهاجمين الى الانكفاء. تركوا كبيرهم وسط اهلي. جاءوا لكي يرموا جدي، على الارض. جاءوا لكي يثأروا من ربح كبيرنا على كبيرهم في معركة سابقة. خسروا المعركة الجديدة. وها هو وسط حشد هائج لا ينفك يطلب من جدي ان يرمي الكبير على الارض مرة اخرى. لكي يسجل برمية هزيمته النهائية. اقترب ابو بدر من خصمه، نفض ثيابه من ما علق بها. ثم اخذه من خصره الى ضفته، حيث يقف اقرباؤه وناسه، بكامل كرامته.
تضاعفت كرامة القبضاي البيروتي بحفظه كرامة القبضاي الاخر وهو في قبضته. هذه قبضنة تحسب لقبضاي. هنا: الارادة في مقابل الحرية الإنسانية. هنا: الارادة في مقابل حرية الانسان الاخر. هنا: الكرامة من كرامة الانسان الاخر، من كرامة الانسان.
القبضاي
لا يزال اهالي المنطقة يروون النادرة هذه. لا يزالون يتذكرون عبيدو الانكيدار على حصانه. الحصان الاخر بجانب حصان يمتطيه سعد الله الباشا. قبضايان يدوران على محلات الخضار والكونسروة يجمعان المال من الميسورين لصالح فقراء المناطق والاحياء. هذا جزء من مما ركبت من اجزائه شخصية ابو عبد البيروتي. قبضاي قوته الاكسترا من تسامحه الاكسترا. رفعته من حفاظه على كرامة الاخرين، من حفاظه على كرامة اخصامه. اننا امام نموذج غائب في المثال التاريخي الغائب. لم يسلم سياسي بيروتي من سطوة قبضايات بيروت. انها فضيلة القبضاي على الناس. قبضاي لا يشترى ولا يبيع. ولا يخاف الخطر ولا يلطأ وراء ستار في طريقه الى غاياته. وقع القبضاي الراهن «في مجتمع الاستهلاك». اضحى ابنه. غيفارا كذلك. انه على الماغات والفلانيلات والاقلام. ابو عبد البيروتي بالكتب. لم يعد شخصية. اضحى نموذجا اقتصاديا في مجتمعات ألفت الرأسمالية الوحشية بدون ان تفهمها. خلطت الاجيال اللاحقة بين اللحظة الشخصية في المعاش الجمعي وبين اللحظة الشخصية القائمة على أي شيء سوى على قواعد السلوك. الانكى انهم جردوا البيروتي من لغته. استسهلوا تجريده من لغته، لانهم لا يفهمونها. جردوا البيروتي من لغته، اذ اعتبروا ان لجهة البيروتي هي لغته. ثمة بون شاسع بين اللهجة واللغة. لن ينطق القبضاي البيروتي بأي من مفردات البيارتة لانه اكتفى باللهجة. وهي ممطوطة قسراً وكاريكاتيرية بلا حساب. اللغة خبرة، اللغة سلوك. وحيث ان اللغة خبرة، اللغة حياة. وحيث ان اللغة سلوك، لم يبرز من اللغة البيروتية الا أدوار اللغة. أي كل ما ظنه الاخرون لغة، بدون ان يعني الظن هذا ان اللغة لغة. ارتبط الكثيرون بالمفهوم الخائر للغة. أي مفهوم اللغة المضادة للغة. استعملوا الاختزال، لكي يريحوا ويرتاحوا. وجدوا ان اللغة ليست مصوغات تندرج بالعالم الكلي للبيارتة وتساهم في صوغ الهوية.
اللغــة
لا صيغة تنظيمية للغة، لان لا لغة لدى هؤلاء الذين وجدوا في اللغة برطمة كلام بما توهم الكثيرون بأنه اللغة. الحط بالكلام له دلالاته. وهي دلالات تحقيرية. لم توضع اللغة تحت النقد. لم تضحي اللغة حقيقية من جراء ذلك. بقيت مزغولة الحضور بين اللكنة واللكنة. لكنة تقليدية. لكنة اكسترا تقليدية. غير ان الكثيرين احتجوا على حضورها في الحياة العامة، كما هي عليه احوالها. وبنحوها القسري هذا، صارت اللغة دينية هي الدنيوية بامتياز. ذلك ان قاموس البيارتة لا علاقة به بأي تسوية بين تراث وتراث. تراث البيارتة خاص على صعيد اللغة. ابو عبد البيروتي ابن التراث هذا. سوى في اطلالاته الكثيرة العاجزة عن الاحاطة بالعالم البيروتي. افنت النماذج اللغة بدل ان تحييها. ساهم ابو عبد البيروتي بذلك. لانه لم يساهم في تفتيح اللغة على عوالمهم الفاعلة. اكتفى الرجل صاحب الشخصية الجديدة بما أراده له الاخرون: ان يبرطم، ان يمط الكلام بدون ان يمط شفتيه. لعل قلة ادركت ذلك. أبرز القلة هذه: زقزوق البيروتي. ثم اسماء قليلة اخرى لطأت في مواضيع بحوثها حول اللغة بانتظار بلورة حضورها. طرحوا اسئلة في حياة غزيرة حول صلة اللغة بصاحبها. وجدوا ـ بنهاية المطاف ـ ان اللهجة حاضرة وان اللغة غائبة في غياب اللغة. اللغة لديهم: ليست حجماً وليست مقاساً. اللغة موضوع تعبير وشكل تعبير. لا طابع اقلوي لها ولو انها خاصة وخاصة جداً. على قياس الرأي: اللغة حس، اللغة ادراك. اللغة هي كشف الحياة في ما يتعدى المصطلحات. هذه سلسلة قليلة من سلسلة طويلة. يسمي البيروتي الطعام بالمانغرية. اشتقاق الكلمة من كلمة ايطالية: مونجيرا.
بضيل تعني الاهبل (هي تركية على الارجح). بلهموتي تعني بخيل. الحس هو الصوت. حسه جميل معناه صوته جميل. حرب الموسكوب أي الحرب العالمية. اشكرا معناها كالمفضوح. باجوق معناها فم. ام باجوق معناها ثرثارة. مكنة معناها سيارة. قاموس لا نهاية له. ولكن كل ما لا يستعمل يموت، على ما يقول العلامة الراحل عبد الله العلايلي. وسط حفل الاستسهال الضارب، تقف لغة كاملة على شفير الموت. على شفير النهاية المطلقة. قلشين، كلسات. مشاية، صباط. يصطاقية، مخدة. نملية، خزانة توضع فيها الاطعمة. هتيكة: اهبل. عزوة: جماعة. بريمو: شكله. اسوأ الاشياء اللعب بالاشياء. اسوأ الاشياء اللعب باستدعاء نثار النصوص المجمعة من التواتر الشفهي لبناء شخصية البيروتي: ابو عبد البيروتي. لا حقائق ولا تجريب. لا صور بل تقارير ولهجات بندوقة على ألسنة لم ترتد يوما التاريخ ولا المخيلة. الناتج شخصيات محدودة في ضيق أفق، ضيق مساحة. شخصيات لا معيارية ولا تنتمي الى مجتمع العيارين. شخصيات تشكك بذاتها وبالشخصية ذاتها. لانها لا تحتمل في تقليدها لشخصية البيروتي الظريف. ولأنها يقينية منذ لحظة بنائها الاول، اذا ما بنيت.
تؤكد الشخصية انها الشخصية لانها تقلد شخصية القبضاي البيروتي الظريف بنشاط متعال وغير قابل للحصر او الصرف. لا منهجية في التأليف ولا بنيوية ولا استدعاء للشخصية بصرامة او بلاها. لا منهجية بنيوية. لان غالب من لعب شخصية البيروتي ابي عبد، غذى نفسه بنزعة شكلانية خالصة. وهي نزعة تنزع الى نفي حكم القوانين ببناء الشخصية. النتيجة: اجساد هشة بحضورات هشة باشارات هشة لن تلبث ان تسقط في الميكانيكية التي غالبا ما جردت الشخصية من وظيفتها الاجتماعية وفاعليتها الانسانية وحضورها وتأثيرها الجمالي. شاهد اللبنانيون على مدى السنوات الماضية الطويلة الصدى الفارغ لشخصية القبضاي البيروتي الظريف المكتشفة في شخصية ابي عبد البيروتي. لم تسلم الشخصية من احد هنا. لم يبارها احد في سلبطته عليها، ما افقدها خصوصيتها وقوانينها الرياضية وغير الرياضية. مثلوا بها بدل ان يمثلوها. هكذا بقوا يجترون شكلا ونطقا وحركة، بحيث لم يستطع احدهم انجاز شخصية قريبة جدا او قريبة الى حد ما من شخصيات القبضاي البيروتي. لأن الشخصية المتداولة ليست قوية بما يسمح بقراءتها ولا بتعدد القراءات الخاصة بها. عندي ان عاصي الرحباني في سفر برلك قبضاي بيروتي بأصوله ومراجعه ومتوالياته الاجتماعية والانسانية. عندي ان احمد خليفة في دوره بـ«بنت الحارس» بشر بحضور قبضاي بيروتي على رصيف بور بيروت حيث استقبل فيروز بحضور والدها نصري شمس الدين الطافش من قريته بسبب عدم الحاجة إليه اثر استتباب الامن فيها. عندي ان احمد خليفة في ابي عبد البيروتي ابتعد عن ابي عبد البيروتي مقدار سفر سنة، على قول البيارتة. عندي ان كل من لعب شخصية البيروتي، لم يلعبها بما يحقق حضورها بمستوياته الكثيرة. وخصوصا سامي مقصود وعمر الشماع. لان الشخصية اخلاقها. ثم ان اختفاء الاخلاق يؤدي الى فساد المعرفة الحقة والاشياء الحقة. الاخطر ما يدعيه عادل كرم في لعب شخصية البيروتي في شخصية ابي رياض في «لا يمل». شخصيته في سطوها الوحشي على الروح البيروتية، افقدت البيروتي اعتبار البيروتي. وهو اعتبار شرف وتضحية. صفتان في ألف باء البيارتة في بـيروت مدينة العالم والعالم في مدينة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق