الأحد، ٣ أيار ٢٠٠٩

عليك أن تعيش كما لو أنك لست أحداً

إذا لم تكن نجماً أو متشرداً

عليك أن تعيش كما لو أنك لست أحداً

المستقبل - الاحد 3 أيار 2009 - العدد 3293 -



لوس أنجلس ـ بلال خبيز

احد المهاجرين من المكسيك يقول لمايك دايفيس، صاحب اشهر الكتب التي كتبت عن تاريخ لوس انجلس، "لوس انجلس، مدينة الكوارتز"، انه حين قرر عبور الحدود خلسة، كان يفكر بما ينتظره في لوس انجلس: "سيارة مكشوفة ومن احدث طراز، ونساء عاشقات جميلات وخفيفات، وبيت يشبه بيوت الأحلام". لكنه منذ ان وطأت قدماه مدينة الكوارتز وهو يعمل بلا كلل لساعات طوال يومياً، وما زال لا يملك سيارة حديثة، وهو ايضاً لم يعد يلمح بيوت الأحلام حتى في مناماته.
لوس انجلس تحبط الحالمين. حين عرض وليد رعد عمله الاخير في لوس انجلس أثناء زيارته المدينة تسنى لي ان اجول به في بعض احيائها. وليد رعد نيويوركي الإقامة، لكنه وهو يشاهد بيوت لوس انجلس الفخمة والهادئة في فيء الظهيرة علق قائلاً: "هي ذي البيوت التي نراها في السينما". البيوت التي تبدو كما لو انها مجرات صغيرة. كبيرة إلى درجة ان الخيال يعجز عن تخيل كل ما فيها والإحاطة به، وصغيرة إلى درجة انها لا تستقبل المهاجرين. هيذي لوس انجلس كما يعرّفها الناس، حتى الذين يقيمون في نيويورك.
احلام المهاجر المكسيكي المحبطة في كتاب دايفيس ليست من خصائص لوس انجلس وحدها. كل المدن الكبرى تملك مثل تلك القدرة على تبديد الأحلام. وأغلب الظن انها تبددها لأن الاحلام هي من مصنوعات الوقت الفائض، وفي مثل هذه المدن ليس ثمة وقت فائض ليصنع المرء فيه شيئاً.
لا شك ان مثل هذا التعميم يخالف الصورة النمطية التي تعشش في اذهان العالم عن لوس انجلس، بوصفها مدينة المتبطلين المتنعمين بوقت التبطل وعيش الأحلام على حد سواء. يقولون ان ثمة اكثر من 40 الف متشرد في المدينة. لكن هذا الرقم لا يترك اثراً في المدينة كما تُعاش في المخيلات. انما هذا كله ليس من المفاجآت التي يفترض بالمرء ان يسجلها في خانة المفارقات.
لكننا نعرف، ومع اننا نعرف لا نكف عن الظن بأن ثمة حلماً ما يمكن ان نعيشه في هذه المدينة. هو حلم لا تعرف إن كان سيتحقق ام لا، انه في معنى من المعاني حلم المتشرد الذي اصبح موسى في عمل مايكل انجلو. شارل قساطلي سينمائي لبناني عاش في كندا ردحاً وانتج اعمالاً سينمائية ووثائقية كان لها حظها من الترحيب النقدي، يعيش منذ سنوات في لوس انجلس. حين التقيته وسألته عما يفعله في هذه المدينة، قال: "انني انتظر". بحسب تعبيره، "لا تكفي المؤهلات للمرء هنا حتى يحقق ما يريد تحقيقه. المؤهلات احياناً لا تكون مهمة على الإطلاق، صانعو النجوم يستطيعون تسويق اي شيء وأي كان. اما اصحاب المؤهلات فعليهم الانتظار". ينتظر قساطلي منذ سنوات ان ينفتح باب ما في عالم السينما هنا. مؤهلاته معروفة لبعض الأشخاص ـ المفاتيح في عالم السينما، ويعرفون انه على قدر عال من الجدارة التي تؤهله لمساهمة فاعلة في صناعة السينما، انما هو ينتظر. "ثمة يوم قد يأتي، وقد لا يأتي بحسب تعبيره، ويقرر احد ما ان يستفيد من خبراته. وفي تلك اللحظة يكون الباب الموعود قد فكّ مصاريعه". الآن ننتظر. ما الذي نفعله في الانتظار؟ نعمل هنا وهناك، قليلاً او كثيراً، في صلب اختصاصاتنا او بعيداً عنها تماماً. لكننا في عيش الانتظار لسنا وحيدين: النجوم انفسهم ينتظرون. اين هي شارون ستون؟ ما الذي تفعله هذه الايام؟ منذ سنوات قليلة، كانت لا تملك وقتاً لخلع ملابسها وحيدة من دون مصورين يلاحقونها. اليوم لا احد يتذكرها إلا إذا اصابها مرض او حضرها ملاك الموت. تذكرت شارون ستون وانا اقرأ عن صراع فرح فاوست المرير مع السرطان. منذ تذكرها روبرت التمان واسند إليها دوراً في فيلم "دكتور تي والنساء"، لم تضئ الكاميرات عتمة وجهها. الكاميرات اليوم تلاحق هدفاً واحداً، براد بيت وانجلينا جولي. لا يمر يوم من دون حضور النجمين على اغلفة المجلات في لوس انجلس: اخبار ملفقة واخرى صحيحة، وصور تفوق قدرة القراء على الإحصاء. بيت وجولي هما المطلوبان رقم واحد في عالم الفن، تماماً مثل اسامة بن لادن وايمن الظواهري في عالم السياسة.
لكن العيش في الانتظار نعمة في لوس انجلس وليس نقمة. يعيش المرء هنا في الانتظار مترهبناً كمثل عيش المؤمن وقيامه الليل في انتظار الانتقال إلى جنان الخلد. المؤمن ليس يائساًَ ابداً ولا يخالطه اليأس اصلاً. وعلى حد تعبير امبرتو ايكو، فإن الملحد هو من يعاني من فورات اليأس، لأنه بحسب قناعاته يدرك ان ليس ثمة مكافأة له على جهوده في النهاية، لذلك يجد نفسه مدفوعاً لاختراع حلمه الخاص، ذكراه، بحسب جوزيه ساراماغو. ثمة بين احلام الملحد والمؤمن مصيران لا يتوافقان: المؤمن يعتبر العيش الأرضي تمريناً على الصبر، وهو يعتقد ان العيش الفعلي يقع في مكان آخر، لذلك لا يرى في الحياة الدنيا ما يستحق ان يحفظ من بعده، وهو لذلك يعيش في انتظار يوم القيامة. اما الملحد فليس في وسعه ان يبني أحلامه إلا إذا كان متيقناً ان الناس ستعيش من بعده. انه يعمل لذكراه، لكن المؤمن يعمل لآخرته. الناس هنا ينتظرون انتظار المؤمنين. وفي الانتظار يصنع الوقت الفائض، الذي بدوره يصنع الأحلام: سيأتي يوم ويسند احد المخرجين لي دوراً مهماً وفي هذا الدور سأفجر كل طاقتي التي اختزنتها اثناء سنوات الاحلام. ثمة يوم سيأتي ويعجب احد ما بما اكتب وفي هذه اللحظة اغادر مجال العيش إلى مجال الحلم. الفاصل بين العالمين والمجالين هو تماماً كالجلد الذي يفصل الأحشاء عن العالم الخارجي بحسب تعبير بول فاليري: "الجلد يفصل عالم الآلام عن عالم الألوان". المنتظرون هنا هم نجوم الغد، النجوم الذين سيفرحون حين تلاحقهم عدسات المصورين بدلاً من براد بيت وانجلينا جولي، اللذان ما ان تحل هذه اللحظة حتى يقبعان في انتظار تتضاءل فرصه يوماً بعد يوم. وهو محض سباق بين استمرار العيش في الحلم والحلول في عالم المتقاعدين. والحق، ان جنة المنتظرين في لوس انجلس تلوح امام اعينهم: ليست ممتنعة على قدرات المخيلة، لكنها بعيدة كهزة ارضية.
هل ما زال المهاجر الذي تحدث إلى مايك دايفيس منتظراً؟ نحن لا نعلم علم اليقين. الكتابة لا تفصح هنا ولا الكلام، نحتاج لكي نتثبت من هوية المرء وتفريق الحالم والمنتظر عن المتقاعد واليائس ان نشاهد صورهما. حين نشرت يو اس ويكلي صوراً لفرح فاوست وزوجها رايان اونيل اليوم، علّقت قارئة على صورة اونيل بالقول: "يا الله، كم كان جميلاً هذا الرجل وانظروا كيف اصبح اليوم!" لم يكن ممكناً ان نعرف ان كان اونيل يعيش في عالم الحالمين المنتظرين ام في عالم المتقاعدين من دون مشاهدة صورته. هنا تفصح الصورة اكثر من الكلام، وليس ثمة طريق اخرى لتبيان الفارق بين الطبقتين المتصارعتين المتحاسدتين في عالم اليوم غير تصوير افرادها. هذه المدينة بما فيها وما تختزنه من سلطات تمدّ صولجانها إلى اقاصي العالم من دون تمييز، تحل الصورة محل الكلمة. الصورة تصدق والكلمة تكذب. الأميركيون عموماً وفي لوس انجلس خصوصاً يكذبون على انفسهم وعلى الناس في الوقت نفسه: كل امرئ هنا يملك ثقافة ما عن الأطعمة الصحية وعن فوائد الرياضة اليومية، وعن مستحضرات التجميل. وكل شخص هنا يخبرك انه يتبع حمية غذائية صارمة، وانه يمارس الرياضة في النادي وفي البيت على حد سواء، والمشي هنا فضيلة، لكن الناس جميعاً تملك سيارات. لكنك نادراً ما تلمح اثراً لصحة هذا الكلام على اجسامهم. الأجسام متعبة وشائخة في الغالب، لكن الواحد منهم يغذي املاً في ان الآوان لم يفت بعد، وانه ما ان يملك الوقت اللازم لذلك حتى يباشر الرحلة نحو استعادة صورته: الجسم الرشيق والصحيح من العلل. هوس الرياضة والحمية الغذائية والخوف من الاعتلال يكاد يكون مرضياً هنا. ثمة شوارع عامة يمنع فيها التدخين في الهواء الطلق، وثمة مجالس بلدية في مدن صغيرة من المدن التي تتشكل منها لوس انجلس الكبرى تنحو نحو منع التدخين تماماً في الشوارع والحدائق والمنتزهات: مدن خالية من التبغ، لكنها طبعاً لا تخلو من المدخنين.
ذات يوم كنت اتناول طعام الغداء وحيداً في مطعم شعبي في وسط البلد، على جاري عادة السائحين. وبسبب من جهلي بالمطبخ المحلي واطايبه، طلبت طبقاً من اللحم والدجاج. على الطاولة المجاورة كانت تجلس امرأة في اول اربعيناتها، كنت ارى قسما من جذعها وعنقها ورأسها، شقراء وذات عيون لامعة، لكنني قدرت ان وزن جذعها يقارب المئة وخمسين كيلوغراماً، هذا وهي ليست بدينة مثلما يتخيل المرء امرأة بدينة او رجلاً بديناً، جذعها لم يعد جذع امرأة او رجل، ليس ثمة ما يمكن تمييزه فيها، اين يقع صدرها؟ اين موقع جيدها؟ اين ينتهي لحم ذراعيها؟ لا احد يستطيع التمييز. ومثل هذه النساء كثيرات كثرة مذهلة في لوس انجلس. كانت تتناول طبقاً من الخضار المسلوقة مع مواد اخرى لم اتبينها ولم يتسّن لي تمييزها، حين بدأت بتناول الطبق الذي طلبته، بادرتني بالاعتذار عن التدخل في ما لا شأن لها فيه، وقالت لي: هذا النوع من الأطعمة يضر بجسمك ايما اضرار. لماذا لا تتبع حمية غذائية؟ فوجئت، وما لبثت ان سألتها وهل حسّن نظام الحمية الذي تتبعينه من وظائف جسمك عموماً؟ وهل تعتقدين انك اكثر رشاقة مني؟
كان رداً قاسياً، كمثل كل الردود التي يعتاد عليها من كانوا من المقيمين الجدد في احضان الوحدة التي تجبرنا الحياة المعاصرة على العيش في احضانها. لكنها في ما يبدو كانت تريد ان تفتح حديثاً عن احلامها. قالت لي، انها تعمل بجهد على تخفيف وزنها، وان الامر قد يستغرق سنوات، لكنها في وقت ما ستصل إلى ما تبتغيه، وان المهم هو الطريق، اي ما سيكون وليس ما تراه الآن. وطريقانا في ما يبدو تؤديّان إلى نتيجتين مختلفتين: انا إلى البدانة المفرطة بعد سنوات من تناول الطعام من دون انتباه إلى ما اتناوله، وهي إلى الرشاقة. والحق، انني لم املك نفسي من التفكير بمعنى هذه المحادثة العابرة. هذه المرأة، لأسباب لا اعرفها، اهملت جسمها في وقت من الأوقات، فغلبها. لكنها قررت، على ما تقول، ان تعود لتغلبه، وحيث انها تجاوزت الأربعين من عمرها، وتحتاج الآن سنوات لاستعادة رشاقتها، إذا عملت على ذلك بجهد منتظم ومن دون احباطات، فقد تبدو رشيقة في الخمسين من عمرها. انما ما الذي قد تعنيه الرشاقة لامرأة او رجل تجاوز الخمسين؟
ثمة قول مأثور أصبح شائعاً في لندن يفيد بما معناه ان النادي الرياضي هو افضل ادوية الضغط النفسي. في النادي تشعر انك فعلت لجسمك ما عليك فعله، قدمت له العناية اللازمة والأمر اصبح بيده، إذا اراد الاستجابة او لم يردها، فهذا شأنه، لكنك حين تمارس الرياضة لن تعيش مع جسم مترهل وضمير قلق. على الأقل ستتخلص من تبكيت الضمير. انما هذا الحل الانكليزي لا يحير جواباً شافياً عن سؤال: لماذا يريد المرء تغيير ما آل إليه جسمه بسبب اختبار الحياة؟
من يعيش في لوس انجلس المشمسة معظم ايام السنة يكتشف كيف تبدو اجسام الناس على طبيعتها. فالحر يتكفل بمنع الثياب من تغطية الزوائد في الجسم، والأجسام هنا تبدو قاطعة الدلالة على التقسيم الطبقي المستجد في هذا العالم: اليوم ليس ثمة طبقة عاملة واخرى بورجوازية صناعية. في اميركا هذا امر لا قيمة له على الإطلاق، باراك اوباما كان عاملاً، ورونالد ريغان غسل اطباقاً في المطاعم. العامل هنا في الدرجة الدنيا في سوق العمل، هو منتسب موقت لهذه الطبقة. انه ينتظر فرصته، وفي هذا الوقت الميت يعمل اينما كان وكيفما كان، الأستاذ الجامعي قد لا يجد عملاً في التدريس، والكاتب قد لا يجد مكاناً ينشر فيه كتاباته، والمخرج السينمائي قد ينتظر الفرصة ولا تأتي ابداً. لكنه في الاثناء يعيش في الانتظار. التقسيم والحال هذه يصبح على النحو التالي: المتأملون واليائسون، وفوقهم جميعاً اهل الأضواء. ويمكن التفريق بين الطبقتين الأوليين بالنظر وحده، لأن هذا التقسيم يعتمد على مؤثرات فيزيائية مباشرة: على اي درجة من درجات الشباب يصنف هذا الجسم؟ وعلى اي درجة من درجات الجمال ايضاً يمكن تصنيفه؟ واكثر من ذلك، هل ثمة في هذا الجسم قابلية لأن يصبح جسماً جميلاً ومرغوباً؟ الفتيات هنا عموماً، يحاولن المحافظة على اجسامهن على صورة الجسم المراهق. الجسم الذي لم تكتمل متعه ويتعود عاداته بعد. المطلوب ان يكون الجسم محايداً إلى درجة يمكن معها تشكيله وتطويعه ليصبح جسماً مشتهى، كل الأجسام الشابة متشابهة، حتى في الوجوه، فلا يمكن للمرء تمييز الوجوه من لمحة خاطفة. الشباب اليوم اصبحوا كائنات متشابهة، اكثر ما يمكن ان ينطبق وصفاً على احوالهم ما قاله هيغل: "كل الفئران رمادية كل البقرات سود". والحال فإن الشباب يحافظون على اجسامهم على هيئة الجسم المراهق ليتسنى لهذا الجسم ان يُستعمل ويستمتع تحت الأضواء، إذا ما قدر لصاحبه ان يعيش في نعمتها. انه رأسمال مهم ومن غير المستحسن التفريط به. والأرجح انهم يعرفون ان العيش تحت الأضواء وفق امزجتهم الخاصة اكثر من مرغوب، انما وقبل ان تسلط اضواء الكشافات عليك، عليك ان تعيش كما لو انك لست احداً.
والحال ثمة تفريق بين الطبقات المستجدة واضح وباد للعيان. وهو تفريق ابلغ حدة واكثر رهافة من التفريق الذي كان معتمداً في الدولة العباسية ببغداد بين عامة الناس وسوادهم والطبقات العليا، حيث ان لفظ السواد الذي يسم عامة الناس اتى من انعدام اللون وليس من وجوده. ذلك ان العباسيين انفسهم، والخليفة في مقدمهم، كانوا يرتدون الأسود دوماً، لتفريقهم عن الأمويين الذين كانوا يرتدون الأبيض، اما قادة الجيوش من الترك والعجم والوزراء فكانوا يرتدون الأصفر. (راجع رسوم دار الخلافة، ابو الحسين هلال بن المحسن الصابئ، دار الرائد العربي، تحقيق ميخائيل عواد). هذا التفريق هو بين جسم متقاعد يشبه اطلال الجسم، وجسم آخر ما زال رغم تقدمه في العمر واستغراقه في المتع يملك كل مقومات السلطة من ثروة وسمعة وتعقب اخبار، فضلاً عن استحضاره الغيرة والحسد من كل مكان. لكن اصحاب هذه الأجسام المتسلطة يملكون ما يدرأون به عن انفسهم غائلة الغيرة والحسد. انهم في نهاية الامر يملكون جيشاً احتياطياً من السواد والعامة يدافعون عنهم. الشبان تحديداً، الذين يريدون ان يصبحوا ذات يوم نجوماً، ويسعون جهدهم لإقامة علاقة مباشرة مع هؤلاء النجوم عبر تتبع اخبارهم وحضور افلامهم وحفلاتهم الغنائية، والطلب إليهم التوقيع على مفكراتهم الشخصية. وهم تالياً يجعلون ممن لم تختبره الحياة ولم يمتلك جسماً وهيئة شخصيين بعد جيشهم الذي يدافع عنهم ويقيهم من الاحتكاك المباشر مع اهل الغيرة والحسد ممن خسروا اجسامهم ولم يعد لديهم اكثر من اطلالها.
اللافت في هذا كله، ان النجوم، وهم اصحاب السلطة الأولى، لا يدبجون خطاباً لاستمرار سلطاتهم وتبريرها. لا احد يسأل شارون ستون عما تفكر فيه اليوم. تكفي صورتها السابقة لاستمرار الخطاب السلطوي متسقاً وفاعلاً، وطبعاً لا احد يعتقد ان فرح فاوست قد تنجو من السرطان الذي تعاني منه، انها تخسر وزنها وبدأ الموت يحتضرها. لهذا ليس ثمة من يحاسبها عن تبدل صورتها، من تلك النجمة التي الهبت خيال الشبان المراهقين في السبعينات والثمانينات، وعممت تسريحة شعرها الفوضوية على كل فتيات العالم تقريباً، إلى المرأة التي لم يعد ثمة صورة لحاضرها، او ان صورتها الراهنة لم تعد لها. فالناس تتضامن مع صورتها السابقة التي من دونها لن تكون اكثر من مريض آخر يقبع وحيداً في احد المستشفيات بانتظار خلاصه.
الكلام هنا من خصائص المتعبين والمجهدين، وهو كلام لا يؤرشف السير الصعبة لهؤلاء الذين فقدوا رأسمالهم الجسدي، بل دائماً ينحو إلى سبل السعي نحو السلطة، وهي سبل معروفة: مارس الرياضة، امتنع عن التدخين، حافظ على شباب وجهك وجسمك، لا تأكل ما لذ وطاب، بل ما يوصيك الخبراء بأكله، وستحوز يوماً ما، ولو بعد السبعين، رأسمالاً جسدياً يؤهلك ان تنضم إلى عالم الأضواء إذا ما قابلت الشخص المناسب في الوقت المناسب. انه نظام حياة يشبه نظام اللوتو اكثر من شبهه بأي نظام آخر. ان لم تربح هذا السحب ستتضاعف جائزتك في السحب المقبل. انما عليك ان لا تنسى شراء الورقة وتتكيس الأرقام.


ليست هناك تعليقات: